تُعطي فنون الكتابة الإبداعية الكاتب مساحة واسعة للتعبير عن نفسه، حيث تخرجه من القالب النمطيّ ليحلّق في سماء المحسّنات البديعية، والتشبيهات، والمشاعر وغيرها من الأمور، ولكلّ كاتب طريقة خاصة ينتهجها عند كتابته للخاطرة، تلمح فيها أسلوباً يختلف عن بقيّة الأساليب الأخرى، ولا شكّ أنّ هذا ما يمنح كل كاتب ميزة معيّنة، وقد كتب الأدباء قديماً وحديثاً العديد من الخواطر، ونوّعوا في أساليبها، إلّا أنّ ذلك لا ينفي وجود شروط معيّنة لكتابة الخاطرة على مَن يريد الكتابة في هذا النوع من الفنّ اتّباعها.


شروط كتابة الخاطرة

استحضار الشعور

الخاطرة من الفنون الإبداعية التي تحتاج من الكاتب الوصول إلى حالة شعورية خاصة عند كتابتها، فعلى مَن أراد كتابة خاطرة في موضوع أو موقف معين أن يمتلك رغبة حقيقية تحرّكه للكتابة في هذا الموضوع، فيستحضر كل تفصيلات هذا الموقف ليكون جزءاً منه، ليحلّق في سمائه واصفاً إيّاه كما يحسّه ويراه، فيبدع في رسم صورة ذهنية صحيحة ودقيقة في مخيّلة القارئ، ويوصل له الإحساس بالموقف كأنّه يعيشه، فيشعر بتساقط حبّات المطر الغضّة على وجنتيه إن كان يتحدّث عن المطر، ويشعر بلوعة الفراق وألم الجوى إن تحدّث الكاتب عن فراق محبوبه وما إلى ذلك من مواقف، وبدون ذلك ستتحوّل الخاطرة إلى نصٍّ جامد، خالٍ من الشعور والعاطفة، لا يراه القارئ إلّا نصّاً متكلّفاً لا يشعر به.


ومن ذلك ما قالته غادة السمان في تصوير الحال عن فراق المحبوب حيث قالت:" لحظات الوداع لحظات شبيهة الصدق، كثيفة الفضول بالغة التوتر، تختزل فيها التفاصيل التافهة وتتعامل مع الجواهر، تتألق البصيرة وتتوهج الروح، محاولة اختطاف آخر زهرة على شجرة الحب، في الوداع نحن لا نودع حقاً إننا نزداد التصاقاً بالمحبوب، كأنّ الفراق أكذوبة اخترعناها لإنعاش حاسة الحب".


اختيار عنوان مناسب

يجب على مَن يريد كتابة الخاطرة تحقيق التوازن عند اختيار عنوان الخاطرة الذي يُعدّ واجهة هذه الخاطرة، فيحرص على أمرين أثناء ذلك، أوّلهما: أن يكون عنوان الخاطرة متناسباً مع محتواها، ودالّاً عليه، وثانيهما أن يكون هذا العنوان مميّزاًً وجاذباً للقارئ قدر الإمكان، فقد كثُر الكُتّاب، وفاضت المواقع بالمحتويات الأدبيّة -على تنوّعها- في عصر الكتابة الإلكترونية، وهذا يجعل مهمّة جذب القارئ أصعب نسبيّاً؛بسبب الزخم الذي يعانيه المحتوى الأدبي هذه الأيام كما ذكرنا، لذا على القارئ أن يحرص على أن يخرج نصاً إبداعياً بداية من العنوان وحتى آخر كلمة فيه.


توسعة الفكرة

تُعد القدرة على توسعة فكرة ما في الخاطرة، والتشعّب فيها دون الخروج عن نطاقها مهارة لازمة من مهارات كتابة الخاطرة، فالخاطرة فنّ وصفي، ولا بد من التفصيل فيه، والتشعّب في الفكرة لوصف موقف معين، أو شعور معيّن بحذافيره، فهذا يجعل القارئ على اتّصال أكبر مع الحالة الشعورية التي كان يعيشها الشاعر أثناء كتابة الخاطرة، فالجمل القصيرة والمباشرة تتناسب مع النصوص العلمية، والتفسيريّة كونها توصل المعلومة بشكل أسرع لقارئها، إلّا أنّ هذا النوع من الجمل لا يتناسب مع الخاطرة، فبدل أن نقول "إنّ الشتاء فصل جميل تتساقط فيه الأمطار" نقول مثلاً" وفي هذا الفصل المكتظّ بغيوم الحنين تسكب السُحب دموها ناعية كل قصص الفراق التي خلّفها فصل الخريف خلفه...إلخ"، مع الحرص على عدم الإطالة المبالغ فيها؛ لأن ذلك يشتت القارئ ويمنعه من تتبّع الفكرة من بدايتها إلى نهايتها بسهولة، فالمطلوب هو جزالة التعبير دون مبالغة تفقد النص نكهته، وترهق ذهن القارئ.


ترابط الأفكار

يتجلّى جمال الخاطرة بتوحّد القارئ مع أفكارها وما فيها من شعور منذ أول فقرة فيها وحتى نهايتها، فالغاية هي أن يحسّ القارئ أنّه والخاطرة وما تحتويه من شعور يسيران مع بعضهما في خط متوازٍ دونما شعور بانقطاع هذا الخط بسبب وعورة المعاني إلى درجة ترهق العقل مثلاً، أو الانتقال من فكرة إلى فكرة قبل إتمام الأولى، أو الوصول بالقارئ إلى نهاية الخاطرة بشكل فجائيّ، فكل هذه تُعتبر نقاط ضعف على كاتب الخاطرة تفاديها، حيث يجب عليه أن ينتقل بين أفكار الخاطرة بسلاسة ورشاقة، فلا يشعر قارؤها بفجوة تفسد عليه لذة شعوره بها، ومن الأمثلة على ذلك عند كتابة خاطرة عن فصل الشتاء مثلاً نبدأ بوصف مظاهره من الجزء إلى الكل، حيث نصف فنجان القهوة المستقرّ على حافة نافذة الغرفة الغارقة بالضباب، ثمّ بقطرات المطر وصوتها الناعم الذي يطرق السمع كأنّه موسيقى، ثم بالطرق المبلّلة بدموع الغيوم، ثمّ نحكي عن الريح وصوتها القوي، ثمّ ننتقل عن الحديث عمّا يتركه بنا فصل الشتاء من ذكريات، وشعور، وحنين، ثمّ ما نتمناه به من أمنيات نحمّلها للطيور المهاجرة إلى بعيد، حتى نصل إلى نهاية الخاطرة دون أن يشعر القارئ بذلك.


الإلمام بأساسيات اللغة

تفقد النصوص بشكل عام والنصوص الأدبيّة بشكل خاص بريقها وألَقها عندما تزخر بالأخطاء اللغوية سواء كانت أخطاء نحوية، أم طباعية، أم إملائيّة، لذا على كاتب الخاطرة أن يراعي الكتابة بشكل سليم وخالٍ من هذه الأخطاء، كما أن عليه إعادة تنقيحها وتدقيقها بعد إتمام كتابتها، ولا ضير في عرضها على مدقّق لغوي، أو أحد أصحاب الاختصاص للتأكّد من جودتها اللغوية، لا سيما إن كانت ستنشر في كتاب ما أو على أحد المواقع على شبكة الإنترنت.


امتلاك معجم لغوي واسع

تحتاج الكتابة الإبداعية بشكل خاص إلى معجم لغوي زاخر بالمعاني والمفردات، والتراكيب، فهذا النوع من الكتابة مختلف عن باقي أنواع الكتابة، فالكتابة السردية لا تحتاج إلى الكثير من العمق لاعتمادها على سرد الأحداث كما حصلت، أمّا عن الكتابة المنطقية فتحتاج إلى إعمال العقل والمنطق، وتدعيمها بالأدلة والبراهين لا بالمحسّنات البديعية والمعاني، والكتابة التفسيرية تحتاج إلى المعلومات والحقائق، فاتّساع معجم المفردات لدى كاتب الخاطرة يعطيها أبعاداً تصويرية مختلفة، وفضاءً واسعاً، بالإضافة إلى أنّه يغني معجم القارئ، ويثير ذهنه.[١]


المراجع

  1. "8 Tips for Improving Your Writing Style", masterclass, 23/8/2021, Retrieved 23/9/2021. Edited.