الخاطرة فنّ نثريّ كتابيّ يستقيه صاحبه مما يجول في خلجات نفسه من أفكار، يستقي الكاتب أفكاره لكتابة خاطرته من موارد عديدة ومتنوعة، يجمع بينها ويؤلف بين أجزائها، لتكون إطارًا عامًّا تضم أفكاره وما يجول في خاطره فيضم بعضها إلى بعض، لتصبح كيانًا واحدًا وكُلًّا متكاملًا، يستمد قوته من الصدق وعدم التكلف، ويمكن القول إن الخاطرة مزيج من النثر في شكلها والشعر في جوهرها دون نظم وقافية.[١]


كيفيّة كتابة الخاطرة

فيما يأتي بيان عام لكيفية كتابة الخاطرة:[٢]

  • عنوان الخاطرة: تبدأ الخاطرة عادة بكتابة عنوان رمزي لها، مع أن بعض الكتّاب قد يرغبون أحياناً في كتابة خاطرة دون عنوان، وعليه ففي حال وجوده يراعى أن يوحي العنوان بصلب الخاطرة ويلخص ذهنيًا لدى القارئ موضوعها الأساسي، فالعنوان مرآة الكلام.
  • البدء بالكتابة: وذلك بمراعاة النقاط الآتية:
  • كتابة المقدمة: تبدأ الخاطرة بتقديم سريع لافت شائق، يحمّس القارئ ويجذبه لقراءة تلك الخاطرة دون غيرها، فالمقدمة الجاذبة هي سرّ نجاح الكتابة في هذا الفن، وعنصر الإبهار يشكّل الصدمة الأولى لدى القارئ والمحفّز العميق للقراءة.
  • كتابة العرض: ينتقل الكاتب لصلب الموضوع مباشرة، وهو ما يسمى عند الأدباء (العرض)، فيقوم الكاتب بالإبحار في أفكاره وخياله، ليزيد من متعة القراءة وسحب القارئ معه إلى أعماق الفكرة التي يطرحها، فالخاطرة عالم من الخيال الجاذب الماتع، تنقل روح القارئ إلى أعماق سحيقة هائلة، تعوم فيها روحه ببحر من المتعة والتأثير، فعنصر الخيال الجاذب الخصب هو ما يزيد الخاطرة نجاحًا وتألّقًا.
  • إنهاء الخاطرة: يصل الكاتب ناقلًا القارئ بدوره إلى (النهاية) وهي خاتمة الخاطرة، وحتى تكتمل أركان الخاطرة، ويكون النص كُلّاً واحدًا، وبناء متزنًا، يجب أن يربط الكاتب بداية الخاطرة بنهايتها، ليتسنى للقارئ أن يرى التناغم المتكامل في نصّ الخاطرة والاتزان في عرضها وتكامل صورتها.


نصائح عند كتابة الخاطرة

من أهم النقاط التي تميز الخاطرة هي أن تكون مكتوبة بطريقة شائقة، فتكون بذلك ممتعة للقارئ، فالخاطرة لا تُكتب أساسًا لتعالج موضوعات شائكة معقدة أو تناقشها للبحث عن حلّ، بل هي تعبّر عن انطباع الكاتب بالدرجة الأولى، كما توضح شخصية كاتبها وتعكس انطباعاته، لهذا انتشرت الخاطرة في عصرنا الحالي في الصحافة المعاصرة، مع انتشار الصحف الورقية اليومية والمجلات الأسبوعية، وزاد انتشارها في القرن العشرين وما بعده انتشارًا شاسعًا مع تطور وسائل الثقافة الإلكترونية، فباتت الخاطرة ابنة المواقع الإلكترونية باختلاف مجالاتها، وبهذا صارت الخاطرة رقمًا مهمًّا في المعادلة الإعلامية القائمة على السرعة والتشويق.[٣]


هذا ويشار إلى أن الخاطرة تتميز بقصر طولها، وتهدف إلى وصف حدث عارض بطريقة مميزة تنم عن دقة ملاحظة الكاتب واتساع خياله في الكتابة، وسرعة بديهته في التقاط موضوع عابر ينشئ منه خاطرة تستحق القراءة، وتصف قدرته على الإيجاز والتلميح، وتسخير مهاراته وقدراته في الكتابة لخدمة ما يدور في خلجات نفسه من فكرة واحدة بسيطة تدور حولها الخاطرة.[٢]


نموذج لفن الخاطرة

خاطرة بعنوان "القلب"، من كتاب "فيض الخاطر" للكاتب العريق: أحمد أمين.[٤]


لقد قالوا: «إن المرء بأصغريه قلبه ولسانه»، ولكنهم- بقولهم- قد رفعوا شأن اللسان
إذ قرنوه بالقلب، ووضعوا من قيمة القلب إذ قرنوه باللسان. وهل اللسان إلا حَاكٍ
بكئ لأحط حركات القلب وانفعالاته؟ وكيف يعبر المُحْدَث عن القديم؟ أم كيف
يحيط المحدود باللامحدود؟ وأين يقع معجم اللغة من معجم العالم.اتحد شكل القلب
واختلفت معانيه؛ فقلب كالجوهر الكريم صفا لونه، وراق ماؤه، يتلقى الإشعاع
ويعكسه وهو على أشد ما يكون ضوءًا ولمعانًا، وقلب كالصخر قوي متين،
ينفع ولا يلمع، وقلب هواء، خفّ وزنه، وحال لونه، وقلوب مما لا يحصيها إلا خالقها.
يموت القلب ثم يحيا، ويحيا ثم يموت. ويرتفع إلى الأوج، ويهبط إلى الحضيض؛
وبينما هو يساوي النجوم رفعة، إذا به قد لامس القاع ضعة، وهكذا يتذبذب
في لحظة بين السماء والأرض والطول والعرض؛
وخير الناس من احتفظ برفعة قلبه، وسمو نفسه.


تحليل نموذج الخاطرة:


نقف من خلال الخاطرة المعروضة على أقسام الخاطرة وجزئياتها كالتالي:
هنا اختار الكاتب عنوان "القلب" لخاطرته التي عرض في مقدّمتها مقارنة
سريعة بين القلب واللسان، وكان اختياره لعنوان الخاطرة رمزيًا،
رغم أنه متصل اتصالًا دقيقًا بالموضوع المطروح.
بدأ الكاتب مقدمة خاطرته بقوله: إن المرء بأصغريه قلبه ولسانه،
وهذه المقولة تعدّ جاذبة وسريعة باعتبارها مقولة سائدة، تجذب القارئ
فتحفّزه للانتقال للمقارنة وقراءة الخاطرة.ثم بدأ الكاتب بعرض موضوع خاطرته،
بعرض مجموعة من التساؤلات ليحفز خيال القارئ ويثير متعته،
وبدأ بوصف القلب وصفًا معنوياً، ليسحب القارئ إلى أعماق الفكرة،
فالقلب هنا بأنواعه ليس عضوًا، بل هو متسع متنوع،
"فالقلوب لا يحصيها إلا بارؤها".ويصل في تناغم مع المقدمة والعرض،
ليختم بحكمته: "وخير الناس من احتفظ برفعة قلبه، وسمو نفسه".


وفيما يأتي عناوين مشابهة وذات صلة بعنوان المقال:


المراجع

  1. ^ أ ب عز الدين إسماعيل، الأدب وفنونه، صفحة 168. بتصرّف.
  2. حمدان الزهراني وآخرون، التحرير الكتابي، صفحة 90. بتصرّف.
  3. أحمد أمين، فيض الخاطر، صفحة 19. بتصرّف.