في الكتابة للأطفال تكمن التسلية، والإبداع، والمسؤولية، وأقول المسؤولية لأنّ من يتوجّه بقلمه للكتابة للأطفال عليه أن يدرك أنّه يخاطب عقولاً شبه خالية من التصوّرات، والانطباعات، والتجارب، وعليه فإنّه سيكون مصدراً أوليّاً من مصادر شحنها بهذا كلّه، كما أنّ الأطفال يقرأون دوماً ليتعلموا حتى وإن لم يكونوا مدركين لذلك، وهذا ما يضع على عاتق من يحاول الكتابة للأطفال مسؤولية تكمن في رفد عقولهم الصغيرة بما هو نافع ومفيد، وأخلاقيّ، فبالقراءة يوسّع الأطفال أذهانهم، ويكتسبون مفردات لغوية جديدة، ويبنون عالماً خاصاً بهم نحن مسؤولون عنه.


كيفية الكتابة للأطفال

اقضِ وقتاً مع الأطفال

على الكاتب الناجح أن يكتشف ما يثير انتباه جمهوره، فإن كنت ممّن يريدون الكتابة للأطفال فعليك قضاء وقت حقيقي معهم، تلاحظ فيه سلوكهم عن قرب أثناء تناولهم الطعام، ولعبهم، وأثناء ذهابهم في نزهة ما، فذلك يقرّبك من عوالمهم، ويسمح لك بمعرفة ما يستخدمونه من مفردات، ويلهمك بأفكار فريدة في كتابك.


تحديد الفئة العمرية الهدف

إنّ من أهمّ ما يجب مراعاته في الكتابة للأطفال المرحلة العمرية التي تريد الكتابة لها، حيث يختلف تبعاً لذلك أسلوب الكتابة كليّاً، والمواضيع التي تصلح لكل فئة، فالأطفال في عمر صغير (من خمسة أعوام وحتى تسعة أعوام) تستهويهم قصص الحيوانات، والنزه، واليوميات المدرسية وما إلى ذلك، فيما يبدو الأمر أكثر متعة بالنسبة لأطفال المرحلة المتوسطة حيث يتّسع مجال اهتماماتهم ليشمل المغامرات والسفر، والإبحار، والسيرك وغيرها الكثير، وفيما يتعلّق بأسلوب الكتابة فيُنصح باستخدام الرسومات بشكل شبه أساسي مع تدعيمه بعدد قليل من الكلمات في كل صفحة بحيث لا يتجاوز السبع كلمات بالنسبة للمرحلة الأولى، أمّا بالنسبة للمرحلة المتوسطة فتحتاج كتابة قصة لهم إلى أسلوب قوي ومتماسك، وأحداث متسلسلة، وحبكة أكثر تعقيداً.


اختيار الموضوع

اختر موضوعاً ضمن نطاق خبرات هؤلاء الصغار، وضمن مجال اهتماماتهم، ولا ضير من تقديم خبرات جديدة بأساليب مبسّطة تعطي هؤلاء الأطفال لمحة عن العالم الذي يعيشون فيه، فلا تجعل الأمور تبدو دائماً بخير، وتصوّر لهم أنّ لكلّ شيء في هذه الحياة حلّا بسيطاً، فهذه الصورة ستسبب للطفل خيبة أمل مستقبلية حين يرى أن الأمور لا تؤول إلى الحل السريع في كل الأحيان، كما يجب إعطاء لمحة للطفل بأنّ الأشياء ليست كما تبدو عليه دائماً في هذه الحياة، كما يجب عليك ترك قلم الكتابة للأطفال إن كان في ذهنك صورة نمطية رتيبة تنوي تقديمها لهم مثل قصة دب وحيد لا يقبل أقرانه من الدببة أن يلعب معهم، أو أطفال يجدون كنزاً أو ما إلى ذلك من أفكار تخلو من الإبداعية والخيال، فباستطاعتك مثلاً تحويل حدث عاديّ مثل زيارة طبيب الأسنان إلى حدث ينبض بالغرائبية والخيال من خلال تصوير أدوات الطبيب وقد دبّت فيها الحياة، وبدأت في التحدّث مع بعضها البعض، والبناء عليها.


اختيار المغزى الرئيسي

الكتابة للأطفال مسؤولية تقع على كاهل الكاتب كما أسلفنا، ولذلك عليه أن يقدّم لهم كتاباً غنيّاً بما ينفعهم، فقد يمدّهم هذا الكتاب بالقيم الحميدة، أو بالأفكار اليومية المفيدة، أو يرفدهم بالمفردات الجديدة، وبعض الفكاهة، فيما يفضّل اختيار مغزى رئيسي للقصة تدور حوله جميع الأحداث والأفكار مثل: مساعدة الغير، أو الحب، أو الأمانة أو غيرها.


البدء بالكتابة

ابدأ الكتابة بخلق شخصية رئيسية فريدة وحمّلها بعض الصفات الرئيسية، ثم اعرض ما في مخيّلتك من أحداث بشكل متسلسل إلى حين الوصول إلى الذروة، واحرص أثناء ذلك كلّه على توضيح علاقات الشخصية الرئيسية بالشخصيات الأخرى، وعند الوصول إلى ذروة الأحداث تتحقّق (سقطة البطل)، وهو الحدث الذي يقع فيه البطل في المشكلة ويحتدم الصراع، ويضطر فيها لمواجهة العواقب، ثم ارسم حلّاً لهذه المشكلة فقد يحصل البطل بالنهاية على ما يريد، أو قد يضطر للتنازل بعض الشيء.


مراعاة الأسلوب

للكتابة للأطفال أسلوب كتابيّ يختلف عن ذلك الموجّه للكبار، وعليه يجب أن تراعي اختلاف ذائقة القارئ الطفل عن ذائقة القارئ الكبير في عدّة مواضع، ومن هذه المواضع:

  • تثير عملية تصوير الكاتب لشخصيات القصة، وتفاصيل ملامحها تشويق القرّاء الكبار وتستهويهم، فيما لا يفضّل الأطفال هذا الأسلوب، فتجنّب رسم الشخصيات ووصفها الدقيق تاركاً ذلك لخيال الطفل، وانشغل بوصف ما لا يملك الأطفال عنه تصوراً سابقاً من الأماكن مثل: محطة مترو، أو غابة هندية، أو غيرها من الأماكن التي لم يزرها أغلب الأطفال من قبل.
  • يفضّل الكبار التأملات الداخلية للشخصيات، والمونولج، إلّا أنّ الأطفال لا ينجذبون إلى ذلك فابتعد عنه.
  • تجنّب أسلوب العودة بالذاكرة إلى الوراء (تقنية الفلاش باك)، فالأطفال لا تجذبهم مثل هذه التقنيات، وإن كان لا بدّ لك من ذلك، فاعمل على أن تبدأ قصّتك من تلك النقطة من الماضي انطلاقاً إلى الحاضر وأحداثه.
  • يحب القرّاء الصغار إطلاق الأحكام الخاصة بهم على شخصيات القصة وأحداثها، ممّا يوجب عليك تجنّب إطلاق أحكامك الجانبيّة على إحداها، كأن تقول وجاء بطل الحيّ الخارق وركل الكرة، فقد يكون للطفل القارئ عين أخرى يرى فيها بطلاً غير الذي ذكرت، فاترك له مهمة إصدار أحكامه الخاصة تبعاً لرؤاه.
  • يملك القرّاء الكبار نفساً طويلاً في القراءة نوعاً ما قد يجعلهم يتغاضون عن بعض الأجزاء التي تفتقر إلى الإثارة في كتاب ما، على عكس الأطفال ممّا يعني ضرورة اختيارك للأفكار المثيرة والبعيدة عن الملل خلال القصة بأكملها لتضمن جذب انتباه الطفل، وتتجنب تحوّله عن قصّتك.
  • يفضّل الأطفال قراءة القصص ذات الأحداث المتسلسلة بسهولة ويسر وصولا للحبكة من غير مقاطعات جانبية مثل ملاحظات الكاتب، أو أحكام على الأحداث والشخصيات وما إلى ذلك من أمور.
  • أغن القصة بالإيقاع، فالأطفال يحبّون هذا النوع من الجمل مثل: رنّ الجرس تن تان تون.[١]


تنقيح الكتاب

لا بدّ للكاتب من إعادة قراءة القصة بصوت مسموع للوقوف على مواطن الخلل فيها إن وجدت، فقد يجد بعض المفردات الصعبة أو الوعرة، وقد يحتاج إلى إضافة فكرة أو حذف أخرى، كما يجب عليه التأكّد من خلوّها من الأخطاء اللغوية والطباعية، بالإضافة إلى عرضها على بعض القرّاء الصغّار وأخذ رأيهم بما قرؤوه.


المراجع

  1. جوان آيكن، مهارات الكتابة للأطفال، صفحة 20-49. بتصرّف.