تعدّدت الأغراض الشعرية منذ فجر التاريخ بتعدّد المناسبات التي قيلت فيها، وكان العرب بارعين في هذه الأغراض على تنوّعها، ومن الأغراض الشعرية التي جاءت وليدة بيئتهم وخصائصها، وما يحدث فيها من مناسبات: شعر الهجاء، والغزل، والفخر، والرثاء، حيث كان لكلّ نوع ما يميّزه من خصائص، أمّا شعر الرثاء فهو شعر صادق العاطفة لما فيه من تفجّع وتلوّع على الميت المرثيّ، ومن الجدير بالذكر أنّ للرثاء أنواع ثلاثة هي: الندب ويكون بالبكاء وقول بعض الجمل عند حضور المنيّة، والتأبين ويكون بذكر محاسن الميّت بين الناس على قبره، والعزاء ويكون بعد هذين، وفيه يعزّي الراثي نفسه بأنّ الموت حقّ، ولا بدّ طائل الجميع.[١]
متطلّبات كتابة قصيدة الرثاء
تتطلّب منك كتابة المرثية العديد من الأمور، وأوّلها صدق المشاعر وقوة العاطفة فبغير هذين العنصرين لن تتحقّق لك كتابة مرثية يشعر بصدقها كلّ من قرأها، كما يتطلّب منك الأمر أيضاً تضمين القصيدة العديد من ألفاظ الجناس، والطباق، والمحسّنات البديعية الأخرى، فهذا النوع من الألفاظ يعطي القصيدة وزناً وقيمة بالإضافة إلى صدق المشاعر فيها، وجمال معانيها، وممّا يجمّل هذا النوع من القصائد هو اقتفاء منهج القدماء من العرب في كتابتها من حيث الاقتباس من القرآن الكريم، وما هو موجود في العلوم الدينية، كما إنّ من مميزات شعر المراثي استخدام المفردات ذات المعاني الدلالية البعيدة فيه، ومن مثله ما قالته الخنساء عند وصف أخيها صخر بأنّه "كثير الرماد" حيث كانت تقصد في ذلك أنّه كان شديد الكرم، كما يُستحسن أن يتم رصف القصيدة وكلّ ما سبق ذكره ضمن بحور قصيرة تُبعدها عن التكلّف والصعوبة.
ولأنّ الرثاء أحد فنون الشعر، فعلى مَن يريد الكتابة فيه أن يمتلك الموهبة الشعرية ليقول شعراً خفيفاً ومقبولاً، بالإضافة إلى أنّ ما يمتلكه الشخص من مفردات جزلى، ومعان متعدّدة هو ما سيفسح أمامه الطريق لكتابة أنواع الشعر كافة، وهذا النوع خاصة، وعلى من يريد كتابة الشعر أن يكون ملمّاً بعلم بحور الشعر، فنظم الشعر لا يأتي عشوائيّا إنّما يُرصف وفق بحور مدروسة عليه الإحاطة بها، وليس أسوأ من قصيدة يرى القارئ فيها المجرور مرفوعاً والمرفوع منصوباً وغير ذلك من أخطاء في اللغة مردّها جهل الكاتب في النحو وأموره، لذا عليك ككاتب قصيدة رثاء أن تكون على دراية بأساسيات النحو حتى تتجنّب ذلك، كما ننصحك بقراءة الكثير من المرثيّات التي ستعينك في رحلتك هذه. [٢]
كيف تكتب قصيدة رثاء
لقصائد الرثاء أشكال عدّة، وفيما يلي عناصر المرثيّة التي إن أنت اتّبعتها ساعدتك في كتابة قصيدتك على أكمل وجه.
- الاستهلال: في هذا الجزء من القصيدة يأتي الشاعر على حتميّة الموت، وممّا لا شكّ فيه أنّ الاستهلال في العصر الجاهلي بدا مختلفاً عنه في العصر الإسلامي، وذلك لأنّ الإسلام هذّب نفوس الشعراء فآمنت بالقضاء والقدر، وبدت نظرتها للموت نظرة مختلفة عمّا سبق، ومن الأمثلة على ذلك البيت الذي يقول: (كُل شيءٍ إذا مَا تَم نُقْصَانُ فَلا يُغَر بطيْبِ العَيْشِ إنْسَانُ هي الأمُوْرُ كما شاهدْتُهَا دُولٌ مَنْ سَرهُ زمنٌ سَاءَتْهُ أزمانُ)
- التفجّع: حيث يأتي الشاعر في هذا الجزء من القصيدة على تحديد أسباب الفاجعة (الموت) من زمان، ومكان، وطريقة الموت، ثمّ التطرق إلى تأثير هذه الفاجعة على أهل المرثي والراثي.
- التأبين: وفيه يذكر الراثي مناقب الميّت، ومحاسنه من كرم، وشجاعة، وحكمة وما إلى ذلك، أمّا إن كان طفلاً فالمعاني تأتي على قدر من البراءة، والغضاضة، والطهر، ومنه قول الخنساء في وصف أخيها صخر: (أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا)
- التعزّي: في آخر جزء من أجزاء القصيدة يأتي الشاعر بأبيات فيها من التصبّر ما يطفئ اللوعة والحزن قدر الإمكان، كقول الشاعر: (إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ وَرَأَيتُ كُلًّ ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ).
مثال على قصائد المراثي
قالت الخنساء في رثاء أخيها صخر مرّة:
المراجع
- ↑ غير محدد، الرثاء فى الشعر العربى، صفحة 5. بتصرّف.
- ↑ أحمد عيد محمود زيدان، كلمة عربي .pdf خصائص البنية الفنية في قصيدة الرثاء في الشعر الجاهلي، صفحة 1. بتصرّف.