كيف تكتب شعر رثاء؟

يقترن الرثاء بالموت، وعلى ذلك ليس في العالم أمّة لا تعرف الرثاء! فقد عُرف الرثاء كما تدل الشواهد منذ العصور الإغريقية، والفرعونية القديمة، وامتدّ حتى العصر الجاهلي، فالإسلامي، واستمرّ حتى يومنا هذا، والرثاء هو شعر صادق يقال في الميّت، ويقف فيه الشاعر على مناقبه، ويعدّد محامده، وصفاته الحسنة، ويشكو ألم الفراق من بعده، وللرثاء ثلاثة أنواع هي: الندب، ويكون بالبكاء وقول الألفاظ الحزينة عند حضور المنية، والتأبين، ويكون بين جموع الناس على قبر الميت وفيه يتمّ ذكر مناقبه وحسناته، والعزاء، حيث يفيق الشاعر من حمى الفقد ويتدبّر في حقيقة الموت ويعزّي نفسه بأنّه لا شكّ طائل الجميع، فيقول ما يطفئ نار الجوى على ميّته حينها، وقد عرف العرب القدماء المراثي بكلّ أنواعها، فرثوا أقرباءهم من آباء، وأولاد، وزوجات، وأصدقاء، حتّى أنّ النساء برعن في هذا النوع من الشعر، ومن منّا ينسى قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر!.^[١]

خصائص شعر الرّثاء

لشعر الرثاء خصائص تظهر للناظر جليّاً عند النظر في أبيات الشعر الممتدّة منذ العصر الجاهلي وحتى الإسلامي، ومن هذه الخصائص:^[٢]

• شعر وجداني يتميّز بصدق المشاعر، وقوّة العاطفة.
• تنوّع مسمياته حسب ما يغلب عليه من شكل وغاية، فهناك: الندب، والتأبين، والعزاء.
• كثرة الجناس والمفردات الصعبة في أبياته.
• لجوء الشعراء فيه إلى البحور القصيرة لخفّتها ربّما.
• اقتباس بعض الألفاظ الموجودة في القرآن الكريم، وما تلقّوه في العلوم الدينية.
• ذكر بعض الكلمات والألفاظ ذات الدلالات البعيدة.

قبل كتابة شعر رثاء

الرثاء أحد فنون الشعر، ولا بدّ لمن أراد أن يكتب قصيدة رثاء أن يكون ملمّاً بالبحور الشعرية وأوزانها أوّلاً؛ فعليها سينظم وبها سيقول مرثيته، كما إنّ عليه أن يمتلك معجماً لغوياً غنياً بالمفردات والمعاني التي ستساعده على النظم، بالإضافة إلى تحلّيه بملكة شعريّة تساعده على قول الشعر بدون تكلّف وعناء، وعليه أن يكون ملمّاً بقواعد النحو العامة منها على الأقل ليضبط لغة قصيدته بطريقة سليمة خالية من الأخطاء، فهذه أساسيات كتابة الشعر التي لن يستطيع أحد تجاوزها، ويُنصح من يريد كتابة الشعر بقراءة الكثير من القصائد المتنوّعة لشعراء من عصور مختلفة؛ للاطّلاع على أساليبهم في كتابة الشعر بشكل عام، وشعر المراثي بشكل خاص.

كيفية كتابة شعر الرثاء

للمراثي في اللغة عناصر أربعة -على الأغلب-، يستطيع من أراد كتابة قصيدة رثاء اعتمادها، وهذه العناصر هي:

• الاستهلال: في هذا الجزء من القصيدة يأتي الشاعر على حتميّة الموت، وممّا لا شكّ فيه أنّ الاستهلال في العصر الجاهلي بدا مختلفاً عنه في العصر الإسلامي، وذلك لأنّ الإسلام هذّب نفوس الشعراء فآمنت بالقضاء والقدر، وبدت نظرتها للموت نظرة مختلفة عمّا سبق، ومن الأمثلة على ذلك البيت الذي يقول: (كُل شيءٍ إذا مَا تَم نُقْصَانُ فَلا يُغَر بطيْبِ العَيْشِ إنْسَانُ هي الأمُوْرُ كما شاهدْتُهَا دُولٌ مَنْ سَرهُ زمنٌ سَاءَتْهُ أزمانُ)
• التفجّع: حيث يأتي الشاعر في هذا الجزء من القصيدة على تحديد أسباب الفاجعة (الموت) من زمان، ومكان، وطريقة الموت، ثمّ التطرق إلى تأثير هذه الفاجعة على أهل المرثي والراثي.
• التأبين: وفيه يذكر الراثي مناقب الميّت، ومحاسنه من كرم، وشجاعة، وحكمة وما إلى ذلك، أمّا إن كان طفلاً فالمعاني تأتي على قدر من البراءة، والغضاضة، والطهر، ومنه قول الخنساء في وصف أخيها صخر: (أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا)
• التعزّي: في آخر جزء من أجزاء القصيدة يأتي الشاعر بأبيات فيها من التصبّر ما يطفئ اللوعة والحزن قدر الإمكان، كقول الشاعر: (إِنّي لَأَعلَمُ وَاللَبيبُ خَبيرُ أَنَّ الحَياةَ وَإِن حَرَصتَ غُرورُ وَرَأَيتُ كُلًّ ما يُعَلِّلُ نَفسَهُ بِتَعِلَّةٍ وَإِلى الفَناءِ يَصيرُ).

مثال على أشهر المرثيّات

ورد في دواوين الشعر قصائد رثاء كثيرة تعدّد قائلوها، ونورد هنا قصيدة الخنساء في رثاء أخيها صخر كمثال:

أَعَينَيَّ جودا وَلا تَجمُدا أَلا تَبكِيانِ لِصَخرِ النَدى

أَلا تَبكِيانِ الجَريءَ الجَميلَ أَلا تَبكِيانِ الفَتى السَيِّدا

طَويلَ النِجادِ رَفيعَ العِمادِ سادَ عَشيرَتَهُ أَمرَدا

إِذا القَومُ مَدّوا بِأَيديهِمِ إِلى المَجدِ مَدَّ إِلَيهِ يَدا

فَنالَ الَّذي فَوقَ أَيديهِمِ مِنَ المَجدِ ثُمَّ مَضى مُصعِدا

يُكَلِّفُهُ القَومُ ما عالُهُم وَإِن كانَ أَصغَرَهُم مَولِدا

تَرى المَجدَ يَهوي إِلى بَيتِهِ يَرى أَفضَلَ الكَسبِ أَن يُحمَدا

وَإِن ذُكِرَ المَجدُ أَلفَيتَهُ تَأَزَّرَ بِالمَجدِ ثُمَّ اِرتَدى