يستسقي الشعر الغنائي جزءاً من طبيعته من اسمه، فهو شعر وجداني وضعه الشعراء ليصلح للغناء بصحبة آلات موسيقيّة معيّنة، وهو شعر تغلب فيه المشاعر على اختلافها، ويطغى عليه الوجدان، فتراه يصوّر مشاعر الإنسان من حزن، وفرح، وأمل، وحب وغيرها بعمق شديد قد يوصل قائله إلى مرحلة من تجاوز الواقع وبلوغ الأسباب، والسفر إلى عوالم أخرى فيبدع الكاتب في وصف حدودها، ويسمو بما فيها من مشاعر روحانية بعيدة عن الماديّة.


أنواع الشعر الغنائي

للشعر الغنائي أنواع ثلاث، عليك معرفتها لتحديد ما تريد الكتابة فيه، وهذه الأنواع هي:

الترانيم: هي تلك الأشعار التي يراد منها التغنيّ بالصفات الحسنة، والتمجيد، والثناء على الله تعالى -في أغلب الأحيان-، أو بطل معيّن، أو بلاد معيّنة.

المراثي: هي أحد فنون الشعر الغنائي المقترن بالموت، فشعر الرثاء شعر يركّز على ذكر محاسن الميّت ومناقبه، ومنه التأبين، والتعزّي، والندب.

الرّعويَّات: مفردها رعويَّة، وهي عبارة عن قصيدة شعرية مكتوبة بصورة حوار على الأغلب، وفيها إشادة بالتقاليد البسيطة في حياة الريف، مقابل حياة المدينة.


كيفية كتابة شعر غنائيّ

الإلمام بأساسيات الفن الشعريّ

الشعر الغنائيّ هو أحد فنون الشعر، ولا بدّ لمن أراد أن يكتب قصيدة شعريّة أن يكون ملمّاً بالبحور الشعرية وأوزانها أوّلاً؛ فعليها سينظم وبها سيقول، كما أن عليه أن يمتلك معجماً لغوياً غنيّاً بالمفردات والمعاني التي ستساعده على النظم، بالإضافة إلى تحلّيه بملكة شعريّة تساعده على قول الشعر بدون تكلّف وعناء، كما إنّ عليه أن يكون ملمّاً بقواعد النحو العامة منها على الأقل؛ ليضبط لغة قصيدته بطريقة سليمة خالية من الأخطاء، فهذه أساسيات كتابة الشعر التي لن يستطيع أحد تجاوزها.


الاستماع لبعض القصائد الغنائية

يُنصح من يريد كتابة الشعر بقراءة الكثير من القصائد المتنوّعة لشعراء من عصور مختلفة؛ للاطّلاع على أساليبهم في كتابة الشعر بشكل عام، والشعر الغنائيّ بشكل خاص، حيث ينمّي هذا من ذائقة الشاعر الفنيّة، ويزيد من محتوى معجمه اللغوي ويغنيه بالمفردات، ويعطيه خلفيّة عن الكيفيّة التي يتداخل فيها هذا الشعر مع الموسيقى بانسياب، وقد اشتهر العديد من شعراء الشعر الغنائيّ على مدى العصور، فيما نذكر من الشعراء المحدثين منهم الشاعر راشد عيسى، والشاعر عبد الرحمن الأبنودي.


الدخول في حالة شعريّة عميقة

ما الشعر إلّا دخول في حالة شعرية عميقة يُعمل الشاعر فيها مخيّلته، ويطلق العنان لتصوّره في فضاء الشعر الحرّ، وهذا بالضبط ما يتطلّبه الشعر الغنائيّ من الشاعر، فالشعر الغنائي لا يصدر بتخطيط مسبّق ومتكلّف، ولا يأتي نتاج حالة شعورية مصطنعة، بل هو نتاج لحالة حزن، أو حب، أو حماسة، أو أمل تعتري الشاعر فتثير أشجانه قبل أن يقرّر ضخّها على الورق في قالب الشعر الغنائيّ ذاك، كشلال من المشاعر الوجدانية المنسابة، ولأجل تحقيق ذلك ينصح الشاعر بالاختلاء بنفسه في جوّ يفضّله ويثير ذائقته الشعرية، ليكسر قيود أفكاره ويطلقها، فيبدو شعره سلساً وعذباً، وغير متكلّف، وإلّا فإنّ نصّه الشعري هذا لن يزيد عن كونه نصّاً جامداً لا روح فيه، ولا تأثير له.


وضع تصوّر للقصيدة الغنائية

إنّ وضع تصوّر لأي عمل أدبي هو الخطوة الأولى في نجاحه، وهذا ينطبق على الشعر الغنائي، إذ يجب على الكاتب قبل بدء الكتابة وضع تصّور مبدئي للقصيدة التي يريد كتابتها، فيحدّد بذلك موضوعها أهي قصيدة رثاء، أم حماسة، أم غزل أم غيرها كما يحدّد الموضوع الذي سيكتب فيه، فهل سيكتب في الحب، أم في الحياة، أم في غير ذلك، وللكاتب في هذه المرحلة أن يحدّد ما سيكتب فيه من أفكار، والطريقة التي سيرتّبها بها منذ بداية القصيدة وحتى نهايتها، وتحديد الوزن والقافية والبحر التي سينتهجها في هذه القصيدة إن كان لديه تصور عنها.


البدء في الكتابة

في هذه المرحلة يُطلب من الشاعر إطلاق العنان لمخيّلته ووجدانه لرسم ما يحملانه من مشاعر على الورق، فيبدأ بضخّ الأفكار واحدة تلو الأخرى، وينظُم ما يناسبها من أبيات شعرية بسلاسة دون تكلّف، وفي هذه المرحلة قد تقوده فكرة إلى فكرة أخرى لم تكن بالحسبان فلا بأس من إضافتها، وليتنبّه الشاعر في هذه المرحلة لاستخدام السلس من المعاني والتراكيب، لتكون سهلة على اللسان، مؤثّرة في الوجدان، مستقرّة في الذاكرة، فالشعر الغنائيّ أساسه السلاسة والسهولة لا وعورة المعاني، وليعمد الشاعر هنا إلى ضبط الوزن والقافية؛ فهما ضروريان جداً في هذا النوع من الفن، كما يمكنه استخدام بعض التقنيات مثل التكرار المحبّب لبعض المفردات أو المقاطع، والإيقاع العالي الذي يثير الحماسة.


تنقيح القصيدة

لم تكن النصوص البشريّة على وجه العموم، ولا الأدبيّة على وجه الخصوص وليدة المرّة الأولى قط، بل هي نتاج تعديل النص الأصلي عشرات المرات، وهذا يوجب على الكاتب قراءة قصيدته الشعرية مرات عديدة ليقف على مواطن الخلل فيها، ففي القراءات اللاحقة يتفطّن الشاعر لبعض المفردات الثقيلة التي يجب استبدالها، أو التراكيب الضعيفة التي يجب الاستغناء عنها، وقد يستحسن أن تتقدّم فكرة على أخرى أو تتأخر عنها، وينصح كاتب أيّ نص أدبي بترك نصّه الأدبي دون محاولة قراءته يوماً أو يومين؛ حيث يراه برؤية جديدة عند قراءته بعد ذلك، فتتيح له هذه القراءة ما لم تتحه له القراءات السابقة من تعديلات، بالإضافة إلى ضرورة التأكّد من خلو القصيدة من الأخطاء اللغوية، وعرضها على أهل الاختصاص من لغويين أو شعراء غنائيين للأخذ بملاحظاتهم إن تبيّن صحّتها.[١]


نموذج قصيدة غنائيّة

كتب الشاعر أحمد رامي قصيدة "اذكريني"، فكانت نموذجاً فذّاًً على الشعر الغنائيّ، وفي مقطع منها يقول:

اذكريني كلما الفجر بدا

ناشرا في الأفق أعلام الضياء

يبعث الأطيار من أوكارها

فتحييه بترديد الغناء

قد سهرت الليل وحدي

بين آلامي وسهدي

وانجلى الصبح وهلا

وانطوى الليل وولى


المراجع

  1. حمدان محسن الحارثيّ، شعرية القصيدة الغنائية في غزل العذريين، صفحة 8-11. بتصرّف.