يمتاز الأدب العربيّ بثرائه بالعديد من الفنون الأدبيّة الجميلة، والتي تُعدّ الخاطرة واحدة منها، وكتابة الخاطرة فنّ أدبيّ نثريّ غير مقيّد بوزن، أو بحر، أو قافية -كفنِّ الشعر مثلاً-، إذ يرسل فيه الكاتب ما يعتريه من مشاعر وأفكار بحُريّة على الورق، لينسج منها نصّاً حرّاً مليئاً بالوصف، والأحاسيس، والمحسّنات البديعية، ففنّ الخاطرة فن يحاكي القلوب ويستميلها، ويحرّك الوجدان ويوقظه، وهو فنّ بعيد العهد وليس بقريب، قد يُكتب في شتّى مواضيع الحياة كوصف حديقة غناء مثلاً، أو خلق كريم من الأخلاق الإنسانية، أو شكوى من لوعة فراق حبيب، وللخواطر أشكال وألوان عديدة، فهناك الطويلة وهناك القصيرة، وفي هذا المقال نصيحة حول كتابة القصيرة منها لمن يريد التجريب.


خصائص الخاطرة

للخاطرة خصائص فنيّة يحيط بها الناظر فور رؤيتها، وهي:[١]

  • فنّ وجداني لا يحتاج لأدلّة عقلية أو نقلية.
  • لا تتناول المواضيع العلمية التي تحتاج للفكر والمنطق.
  • لا تحتاج لوزن أو قافية.
  • لا تحتاج إلى إعداد مسبق، فغالباً ما تكون وليدة اللحظة.
  • رشيقة في إيحاءاتها وتصويراتها، غنيّة بالمفردات والتراكيب الجذلة.
  • تحتوي على الصور الفنيّة، والمحسّنات البديعة مثل الجناس، والطباق وغيرهما على الأغلب.
  • تكثر فيها المشاعر والأحاسيس، وتعمد إلى الخيال في بعض الأحيان.
  • تتنوّع في مواضيعها فمنها:
  • الاجتماعية: يُعنى هذا النوع من الخواطر بوصف ما يحيط بالكاتب من معانٍ تتجسّد في الأسرة، والمجتمع وبعض مشكلاته وغيرها.
  • الرومانسيّة: يُعنى هذا النوع من الخواطر بما مرّ به الكاتب من حالات فراق، ولقاء، وحب، ووصف للحبيب وما إلى ذلك من أمور.
  • الوجدانية: يُعنى هذا النوع من الخواطر بوصف ما يخالج الكاتب من مشاعر، ويعكس حالته الداخلية ونظرته لشيء ما.
  • الإنسانيّة: يُعنى هذا النوع من الخواطر بالقيم الإنسانية مثل الإخلاص، والصداقة، والوفاء...إلخ.


خطوات كتابة الخاطرة

تحتاج فنون الكتابة جميعها دون استثناء لأن يكون الإنسان قارئاً ملمّاً بمفردات اللغة وتراكيبها ليستطيع التعبير بشكل سليم عمّا يريده، بالإضافة إلى أن يكون مطّلعاًً عمّا حوله غير منفصل عن مجتمعه، ولكتابة الخاطرة خطوات -تتلو ما سبق- نلخّصها بالآتي:

  • اختيار العنوان: على الكاتب أن يختار عنواناً مناسباً لما سيكتب عنه من موضوع، فليس من المعقول أن تحمل الخاطرة عنوان (أنا والفراق) فيما يجد فيها القارئ نصّاً يحكي عن محاسن الحبيب لا غير، بالإضافة إلى أن يكون العنوان جاذباً يشجّع القارئ على قراءة خاطرته هذه، فبدل أن تسمّي الخاطرة (في وصف المحبوب) سمِّها (حبيبي كما تراه عيناي) مثلاً.
  • تجويد البداية: البداية هو أوّل ما ستقع عينا القارئ عليه، فإمّا أن تحرّك وجدانه وعواطفه ليستمر في القراءة، وإمّا أن تثير ملله فينصرف عنها، لذا على الكاتب اختيار أسلوب تشويقي مناسب يثير به وجدان القارئ للاستمرار مع الحرص على عدم ضخ كل المشاعر، والتوصيفات، والتراكيب في هذه المقدّمة؛ لأنّ ذلك سيجعل بقية أجزاء الخاطرة تبدو فقيرة وركيكة مقارنة بمقدّمتها، وعليه فإن البداية يجب أن تكون ممهَِدة لكنها مشوّقة.
  • التعمّق في الأفكار: ابدأ في ضخ أفكارك على الورق بطريقة سلسلة تنتقل فيها من فكرة إلى أخرى، واحرص على أن تبدأ بالأفكار البسيطة ثمّ الأكثر تعقيداً وبعدها تستطيع التعمّق، فعند الكتابة في خاطرة تحكي عن (فصل الشتاء) ابدأ أولاً في وصف المظاهر المادية لهذا الفصل مثل صوت سقوط المطر وروعته، وهبوب الرياح، ثم انتقل لوصف ما تتركه هذه المظاهر في نفسك من مشاعر، وتعمّق في ذلك إن أردت.
  • التدرّج في النهاية: اعمد إلى ربط البداية بالنهاية، فليس من صفات الخاطرة الناجحة أن يشعر القارئ بانفصال بدايتها عن نهايتها، بل يجب أن يبدو النص متماسكاً ينتقل فيه القارئ من فكرة إلى فكرة إلى حين وصول النهاية دون أن يشعر بفجوة، فتكون بذلك النهاية مناسبة وليست فجائية، واحرص أيضاً على تهيئة القارئ بأنّه شارف على الوصول إلى نهاية الخاطرة، بتضييق الأفكار رويداً رويداً؛ لئلا يبدو النص مبتوراً، ففي جملة مثل (وهكذا انتهى فصل الصيف وبدأ الخريف) نهاية فجائية يبدو بها النص مبتوراً، ممّا يصيب القارئ بخيبة أمل فيما قرأ مهما كان جمال الخاطرة ككل، في حين يمكننا التعبير عمّا سبق بالقول (وفي فصل الخريف الجميل تُطوى لقاءات الأحبة، ويحزم المغتربون حقائب العودة، وتحلّق نوارس البحر الحزينة عازمة على لقاء الشمس في موعد جديد).


نصائح إضافية عند كتابة الخاطرة

لكل شيء أساسيّات تضمن إخراجه بشكل مناسب، أمّا ما سنضيفه لك في هذه الفقرة من نصائح فسيضمن لك كتابة خاطرة من الطراز الأوّل:

  • لا تتكلّف الحالة الشعورية لكتابة الخاطرة، فالخواطر الفذّة هي وليدة لحظات الصفاء الذهني والشعور، وعليه لا تبدأ الكتابة إلّا إن أحسست إلهاماً يحركك لكتابة خاطرة معيّنة.
  • تجنّب الخلط بين الخاطرة والقصيدة النثريّة، ولا بأس أن تقرأ قليلاً عن القصيدة النثريّة لتضمن ذلك.
  • اقرأ خواطر عدّة لأدباء معروفين مثل: طه حسين، وميخائيل نعيمة، ومي زيادة وغيرهم، ففي ذلك تقريب للذهن إلى أسلوب الخاطرة، وإثراء لمعجمك اللغوي.
  • زخرِف خاطرتك بالمحسّنات البديعية دون زيادة أو تكلّف، لئلّا يغدو النص مجهِداً للفكر، ثقيلاً على السمع.
  • وازن في استخدامك للصور الفنيّة، والمحسّنات البديعية، وبين مضمونها وما تحمله من مشاعر وأفكار، فلا يطغى أحدهما على الآخر فتفقد خاطرتك جمالها.
  • استخدم ضميريّ المتكلم والمخاطب؛ فهما يلائمان طبيعة الخاطرة وكونها وجدانيّة تبرز فيها المشاعر.
  • احرص على أن يكون تقسيم الخاطرة مريحاً للفكر والعين إن كانت خاطرة طويلة أو متوسطة تحتوي على العديد من الفقرات.
  • راجع لغة الخاطرة وتأكّد من فصاحة ما فيها من لغة، وخلوّها من الأخطاء النحوية، والإملائية، والطباعيّة.


نموذج خاطرة قصيرة

كتب ميخائيل نعيمة خاطرة يوماً فقال:" بيني وبين الصخور مودة لا أستطيع تفسيرها، ولا تحديد الزمان الذي نشأت فيه، ولكن أحسّها عميقة ووثيقة بعيدة الغور والقرار، فلعلّها تعود إلى يوم

كنت طينة في يد الله، وكأنّ النسمة التي جعلت من الطينة إنساناً ما كانت لتزيد تلك المودة غير تأصل وجمال ونقاوة، حتى أنّها تبلغ بي في بعض الأحيان

درجة الهيام".[٢]


وفيما يأتي توضح لبعض العناوين المشابهة وذات صلة بعنوان المقال:

المراجع

  1. عزّ الدين إسماعيل، الأدب وفنونه دراسة ونقد، صفحة 42-60-. بتصرّف.
  2. ميخائيل نعيمة، فن المقالة عند ميخائيل نعيمة، صفحة 602. بتصرّف.