في عودة إلى التاريخ البشري تظهر جلياً حاجة الإنسان للتعبير عن نفسه، ومشاعره، بعد أن يأمن حاجاته الأساسية من مأكل، ومشرب، فيبدأ بابتكار ظواهر فنيّة جميلة كان فنّ المسرحيّة واحداً منها، وفن المسرحية فنّ أدبي أدائيّ يعتمد على إخراج المشاعر الإنسانية عن طريق إيماءات، وحوار يؤديهما ممثّلون على خشبة المسرح، وسط مجموعة من المؤثّرات الأخرى، فيما يشاهد ذلك الجمهور الذي يحكم بدوره على نجاح المسرحية من عدمها بناء على ما أوصلته من فكرة وشعور.


وتاريخ المسرح قديم ممتدّ منذ العصور الرومانية والإغريقيّة، حيث كان الرومان والإغريق يقومون بطقوس وثنيّة يعتمدون فيها على الرقص والغناء للتقرّب إلى آلهتهم، ومع تطوّر هذه الطقوس وصل الفن المسرحي إلى ما هو عليه، أمّا بالنسبة للعالم الإسلاميّ فيُذكر أنّ الفن المسرحي الحديث لم يُعرف إلّا على يد الأديب مارون النّقاش الذي عاش فترة طويلة في إيطاليا، فاطّلع على الأدب الأوروبي وتأثّر به، فنقل إلى العالم العربي فن المسرح بترجمة مسرحية (البخيل) لموليير بدايةً، ليأخذ بعدها هذا الفن أحد المسارات الثلاث: ترجمة المسرحيات، أو الاقتباس، أو التأليف.[١][٢]


عناصر المسرحية

إنّ المسرحية عمل أدائي متكامل يتكوّن من عناصر خمس يجب أن تتوافق مع بعضها البعض لتشكّل في النهاية عملاً فنيّاً مميّزاً، وعلى من يريد كتابة نص مسرحي معرفة هذه العناصر وهي:

  • الشخصيات: وهي النماذج البشرية التي يخرجها الكاتب من مخيّلته لتقدّم فكرة المسرحية، وتقسم إلى شخصيات أساسية، وثانوية.
  • الحبكة: وهي الترتيب الدقيق للأحداث بحيث يضمن الكاتب تحقيق الإثارة، وانفعال المشاهد وفقاً لرؤيته.
  • العناصر الفنيّة: يقصد بها العناصر الفنية غير البشرية مثل: الديكورات، والإضاءة، والأزياء، والموسيقى ووجود هذه العناصر لازم لجذب الجمهور، وإعطاء المسرحية مسحة من الواقعية.
  • اللغة: وهي اللغة التي يتشكّل بها العمل الدرامي، وينسج بها الكاتب ما سيدور بين الشخصيات من أحداث، وتمرّ اللغة بتحوّلات عديدة قبل نضجها ووصولها إلى الشكل المطلوب، حيث تكون وليدة مخيلة الكاتب قبل أن تخضع لمعايير فنيّة تحوّلها إلى نص مكتوب، ثمّ منطوق يسمّى الحوار.
  • الحوار: هو ما تستخدمه الشخصيات من لغة منطوقة فيما بينها للتعبير عن أحداث المسرحية، وكتابة حوار المسرحية فن ليس بالأمر السهل، فهو عمل يتطلّب الكثير من المهارة لإيصال الفكرة من هذا العمل الفني بسلاسة أولاً، وتحقيق تفاعل الجمهور والابتعاد بهم عن الملل الذي يفقد المسرحية معناها ثانياً، كما يستلزم تحقيق التوافق بين عناصر المسرحية السابقة كافة، وإليك الخطوات الثلاث اللازمة لكتابة حوار مسرحي ناجح:[٣][٤]


خطوات كتابة النص المسرحي

قبل كتابة النص

قبل البدء بكتابة النص عليك الأخذ بالملاحظات الآتية:[٣][٤]

  • الإحاطة بالمصطلحات اللازمة: لا بدّ لك من الإحاطة بالمصطلحات الأساسية في هذا المجال، مثل: البناء المسرحي، المونولوج، الصراع الداخلي.. إلخ من المصطلحات، ويكون ذلك بالقراءة أو بحضور دورة تدريبية قصيرة حول ذلك.
  • قراءة العديد من المسرحيات: على الكاتب الذي يبحث عن كتابة حوار متميّز قراءة الكثير من نصوص المسرحيات العالمية ومشاهدتها -إن أمكن-؛ لأخذ فكرة عن طبيعة الحوار المستخدم، وكيفية توظيفه لتحقيق فكرة ما، ومن أشهر المسرحيات العالمية هاملت، والملك لير.
  • اختيار الموضوع: عليك أن تحدّد نوع النص المسرحي الذي تريد تقديمه أهو تراجيدي، أم كوميدي، أم درامي، وموضوع المسرحية، بالإضافة إلى تحديد الفكرة التي تريد إيصالها، وطريقة تطوّر الأحداث فيها.
  • تصوّر الحبكة: في تصوّر الحبكة يكمن ترتيب الأحداث ومخطط سيرها، وعليها يعتمد نجاح النص المسرحي، وللحبكة نوعان: أوّلهما تدفع فيه القصة الشخصيات من مشهد إلى آخر، أمّا الثاني فيتم فيها التركيز على شخصيّة رئيسية هي التي توجّه أحداث القصة.
  • تحديد الشخصيّات: تتطلّب كتابة النص المسرحي منك تحديد الشخصيات الرئيسية والثانوية في المسرحية، وطبيعة العلاقات بينها، لا سيما تلك التي تتعارض فيما بينها حيث يخلق هذا النوع من الصراع المحسوب تشويقاً، واهتماماً من الجمهور بمصير الشخصيّة الرئيسية.
  • البحث عن النصيحة: من الضروري الاستماع إلى مَن خاضوا تجربة الكتابة من الهواة والخبراء قبل الكتابة


عند البدء بكتابة النصّ

تولد بذرة النص المسرحي بعد أن يقرّر الكاتب القصة التي سيحكيها، ويتخيّل أحداث العالم الذي يريد أن يعكسه، وشخصياته بما في ذلك من حوار بين الشخصيات، ويمكن الاستعانة في هذه المرحلة بما يسمعه الشخص من جمل في حياته الواقعية، أو فيما يشاهده من أفلام، او يقرأه في أعمال أدبيّة قد تساعده على الإبداع في أسلوب حواري خاص به، فلتبدأ الآن بإسقاط كل ما سبق كتابياً بشكل تلقائي وتفصيلي دون تكلّف على الورق، ويكون ذلك باتّباع الآتي: [٣][٤]

  • وضع مخطط مسرحي يشتمل على:
  • هيكلة المسرحية ويعني ذلك بنية المسرحية، أيريدها الكاتب بنية بسيطة في مشاهدها مكونة من فصل واحد، أم متوسطة التعقيد تتكوّن من فصلين بينهما استراحة، أم ثلاثة فصول.
  • عدد المشاهد فيها، والحدث الأساسي في كل مشهد مسرحي.
  • (الثيم) الخاص في المسرحية ككل، فليس من المنطق مثلاً تصوير مسرحية تاريخية بديكورات مدنيّة حديثة، كما يجب اختيار ما يناسب كل مشهد من ديكورات، مع الأخذ بعين الاعتبار كيفية تغيير الديكورات بين مشهد وآخر عند اللزوم، والوقت المناسب لذلك.
  • متى سيتم تقديم الشخصيّات الهامة؟
  • كتابة المخطط المسرحي بشكل تفصيلي يتضمّن:
  • القصة: ابدأ بكتابة المشاهد، واحرص على تحديد زمن وقوع الأحداث من خلال الأزياء، أو الديكورات، أو غيرها، وأبرز أي شيء تريد توضيحه في بداية المشاهد، ثمّ اعكس ردود أفعال الشخصيات، وطريقة تفاعلها مع الأحداث حدثاً تلو الآخر بمشاهد متسلسلة مع وصف كل مشهد وصفاً حركياً مثل: (ينهض البطل ويتحرّك بعصبية)، أو(تقضم البطلة أظافرها بتوتر)، وذكر اتجاهات حركة الشخصيات، وتحديد الشخصية صاحبة الحوار بداية من أول المشاهد وحتى نهايتها، وتأكّد من أنّ كل مشهد يقود للمشهد الذي يليه وفق منحنى سردي واضح.
  • تصاعد الوتيرة: احرص على إظهار المزيد من التحديات، والعقبات أمام الشخصيات لتعميق الصراع، والوصول إلى ذروة الأحداث.
  • إيجاد الحل: في هذه المرحلة اجعل الشخصيات تبدأ بالتغلّب على مشاكلها، أو التعايش معها، فهو الوقت الذي يقلّ فيه التوتر وتبدأ الأمور بالاستقرار.


بعد كتابة النص

بعد الانتهاء من كتابة النص المسرحي عليك القيام بما يأتي:[٣][٤]

  • تحرير النص وإعادة كتابته: كن على دراية بأنّ النص المسرحي الجيد لا يكون وليد المرة الأولى، لذا يلزمك بعد الانتهاء من كتابة النص إعادة قراءته؛ حيث تتيح لك هذه القراءة تعديله بتوسعة بعض المشاهد أو حذف بعضها إن لزم، واستبدال بعض الجمل الحوارية الضعيفة، واستبعاد الجمل التي تبدو مكررة، ومألوفة جداً في الأعمال الدراميّة الأخرى، أو تعميق الصراع، أو غير ذلك.
  • تصفية الذهن: من الأمور التي يجب عليك فعلها بعد الانتهاء من كتابة النص تركه دون اختلاس النظر إليه لمدة يوم أو اثنين، حيث ستبدو الأشياء بشكل مختلف بعد هذه الفترة من تصفية الذهن، ممّا سيتيح لك التعديل عليه بالحذف، أو الزيادة وفقاً لما يخدم نصّك.
  • تنسيق الحوار: يجب عليك تنسيق الحوار بطريقة مرتبة تسهّل على مَن يريد قراءته ذلك، ويكون هذا باستخدام أحد البرامج الموجودة لهذه الغاية.
  • أخذ المشورة: ستحتاج بعد فترة من اختلائك بنصّك، وحاسوبك المحمول قضيتها بالكتابة إلى إعطاء ما كتبته إلى شخص تثق به من أصحاب الخبرة لأخذ رأي أصحاب التخصّص، أو من أصحابك للاستماع إلى رأي مشاهد عادي، والأخذ ببعض الملاحظات إن تبيّن أنّها ستساهم في تطوير نصّك المسرحي
  • إجراء تعديل نهائي على الحوار: يلزمك بعد كلّ ما سبق تعديل الحوار مرة أخيرة للوصول إلى نسخة ستكون هي الصورة النهائية لنصّك المسرحي.


إليك سمات الحوار الناجح

الحوار أحد أهم العناصر الموجودة في النص المسرحي، وبه يتأثّر نجاحه من عدمه، فمن سمات الحوار الناجح ما يأتي:[٣][٤]

  • التلقائيّة: الحوار الناجح في النص المسرحي هو حوار تلقائي، وغير متكلّف.
  • منح الخصوصية: الحوار الناجح يعطي كل شخصيّة سماتها الخاصة، ممّا يمنحها تفرّداًً يلمسه الجمهور، فاختصاص بعض الشخصيات بقول كلمات، أو تراكيب معينة يمنحها طابعاً خاصاً.
  • استخدام اللغة غير المباشرة: إذ تبدو فكرة استخدام اللغة المباشرة في كل فصول المسرحية وأحداثها أمراً مملاً يفقدها التشويق، أمّا إعطاء الحوار أبعاداً رمزية أخرى في بعض أجزائها، فيبدو فكرة جيدة لإثارة ذهن الجمهور، وإخراجه عن المألوف.
  • التعبير المناسب عن الانفعالات: الحوار الناجح قلّما تعبّر فيه الشخصيات عن انفعالاتها بالصراخ، بل بطريقة تتناسب مع طبيعة الشخصية، مثل أن تعبّر معلمة عن انفعالها مثلاً ببعثرة الأوراق الموجودة أمامها على المكتب، وغير ذلك.
  • تفعيل الحوارات الجانبيّة: الحوار الناجح يحتوي على بعض الجمل الجانبية التي تعطيه مسحة من الواقعية، فليس من المنطق أن تتحدّث الشخصيات في صلب الموضوع طوال الوقت.


مثال:

المشهد الثالث

(مكتب مدير المنطقة عدنان القاضي مكتب واسع تزيّن جدرانه صور لبعض المناطق الأثرية، وعارضات بالأزياء الشعبية، على الحائط خلف المكتب صورة كبيرة لرئيس الدولة بالثياب المدنية، والغرفة تكتظ بالأثاث المتنافر، بعضه عصري جداً، وبعضه الآخر شرقي، السيد عدنان القاضي ومدير مكتبه أحمد الدبغي)

أحمد: سيدي...حالة جلال الشاطي مقلقة

مدير المنطقة (يتّكئ على مكتبه بيديه المتشابكتين): ماذا..هل عاود الجنون؟

أحمد (بانفعال): وأيّ جنون! نوبة اليوم تجاوزت كلّ الحدود.

مدير المنطقة ( ناظراً من تحت نظّارته): وماذا فعل؟...إلى آخر المشهد.


تذكّر



تحتاج مهارة كتابة النص المسرحي إلى وقت طويل تقضيه في القراءة، والملاحظة، والممارسة؛ لكن تذكّر أنّ الأمر يستحق هذا الجهد عندما ترى نصّك المسرحي قصة ناضجة تنبض على خشبة المسرح بالحياة، فلا تبخل على نفسك بهذه التجربة.



المراجع

  1. سيد علي إسماعيل، تاريخ المسرح في العالم العربي، صفحة 21. بتصرّف.
  2. علي صابري، المرحية نشأتها، ومراحل تطورها، صفحة 1-11. بتصرّف.
  3. ^ أ ب ت ث ج "How to write a script", writebetterscripts, Retrieved 15/9/2021. Edited.
  4. ^ أ ب ت ث ج "Writing a Play Script: Everything You Need to Know", www.nfi.edu, Retrieved 15/9/2021. Edited.